"إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم" — الشيخ الامام محمد الغزالي

الصورة السلبية للاسلاميين

 هناك الآن تخوف شديد من وصول الاسلاميين الى الحكم بمصر و لهذا التخوف اسبابه المنطقية؛ فما يقوم به السلفيون في مصر من اعتراضات و احتجاجات و تهديد و وعيد لكل من يخالفهم للرأى او الديانة مع استمرار غياب الأمن الى الآن لا يبشر بخير , و المشكلة تكمن في رأيي في صعوبة - و ربما استحالة - النقاش العقلاني مع من تحركه المشاعر الدينية, و اقصد هنا جميع الاطراف من سلفيين متشددين و صوفية و مسلمين معتدليين و مسيحيين. ان صعوبة هذا النقاش هي بسبب كون الدين جزء لا يتجزأ من تكوين الانسان و بالأخص في مصر و لذلك يكون كل ما يتعلق بالدين مما يمس المشاعر و يهيج العواطف بشدة مما يلغي العقل و يُفَّعِل اجزاء اخرى من المخ مسئولة عن البقاء و التفاعل مع المخاطر بسرعة و بدون تفكير. ان ما يميز هذا الجزء من المخ (وهو الجهاز الحوفي The Limbic system) هو انه لا يعرض ما يتخذه من قرارات علي مراكز النقد و التحليل بالمخ و ذلك حتى يتفادى البطء في اتخاذ قرارات مصيرية قد تهدد كيان الشخص و وجوده. و لذلك يسهل تصديق الشائعات و الافكار غير المنطقية مع الشعور بما يهدد الانسان و وجوده - و جزء مهم منه هو الدين- و يتم التعامل مع هذه الافكار الخاطئة كما لو كانت حقائق غير قابلة للنقاش. 

ان تعامل السلفيين مع المجتمع بمنطق انهم هم المنوط بهم حماية الدين الاسلامي - او بمعنى ادق فهمهم الخاص للدين الاسلامي- و ان اي تحرك بالمجتمع لا يتفق مع افكارهم هو بالضرورة يمثل خطراً رهيبا على الاسلام و يجب الهب للزود عنه؛ يجعل من النقاش العقلاني المنطقي معهم ضرب من الخيال و يغذي الصورة السلبية عنهم بصفة خاصة و عن المسلمين بصفة عامة. والعاقل صاحب الفكر المنهجي لا يخفى عليه ان هذه الصورة السلبية عن الاسلاميين ليست على المطلق بل هي بالاساس لدعاة الانغلاق و التقوقع من غلاة الاسلاميين اصحاب الصوت العالي و لكل من تسول له نفسه ان يتخذ من الاسلام غطاء يحمي به نفسه من الهجوم او النقد. و لكن مع ارتفاع الاصوات المتشددة و انتشار اصحاب الآراء المتشنجة على شاشة الفضائيات و صفحات الجرائد و خفوت صوت المفكرين و المعتدلين , اصبح الناس لا يرون الا الصورة القاتمة للاسلام و يخافون من تطبيق الشريعة الاسلامية لما يرونه من انغلاق الفكر و فقره عند من يخرجون علينا ليل نهار في كل وسائل الاعلام و لايميزون بين الفهم الصحيح و الفهم الخاطئ للشريعة.


إن قراءة التاريخ تؤكد لنا ان جميع الطغاة استغلوا الدين لحماية عروشهم حتى ضج الناس في الغرب بذلك فلجاءؤا للعلمانية لحمايتهم من الطغيان باسم الدين و لحماية الدين من ان تفسده السياسة فيتلون حسب الاهواء برغم ان الدين هو تمثيل لاسمى المعاني و القيم المطلقة من الحق و الخير و العدل و المساواة و الحرية. اما في الاسلام فحين طبق الاسلام الصحيح بمعانيه السامية تقدم المسلمون شعوب العالم و حين ابتعدوا عن الفهم الصحيح للدين و اختلفوا في الفروع و في اهمية اللحية و اذا كانت المعازف حرام ام حلال و اصبحت هذه التوافه هي جل اهتمامات المسلمين تخلف المسلمون عن الركب. ان المسلمين الاوائل اخذوا من الحضارات السابقة عليهم كل ما ينفع في بناء دولتهم من علوم و فنون و دووايين و انظمة حكم تدير الدولة - و هي حضارات كافرة و معادية - و لم ينغلقوا او ينعزلوا عنها فتقدموا و حين توقفوا عن الاخذ من الحضارات المختلفة او التفاعل معها انغلقوا على انفسهم و تخلفوا.

 و يرى الكثيرون ان الحل لما نحن فيه هو في ان يقصى هذا الفصيل او ذاك من الممارسة او يضيق عليه, فيطالب الليبراليون بتحجيم التيارات الاسلامية و يتشككون في نواياهم و العكس صحيح. وانا لست مع سياسة الاقصاء بل ما اتخوف منه ان يتحول من أُقْصِّي من الحياة السياسية لسنوات عديدة من الضحية الى الجلاد فيعيد استنساخ الوسائل السابقة في القمع و ستكون حينها الثورة قد فشلت فيما قامت من اجله و هو الحرية و الكرامة لكل فرد يعمل لصالح المجتمع المصري مهما كانت انتمائته سواء كان مسلم او مسيحي , اخوان او سلفي , ليبرالي او شيوعي. و لذلك فانا ضد اقصاء اي فرقة بل اتمنى ان يعمل الجميع معا لصالح البلاد. و أرى ان الاقصاء او التلميح به مرفوض تماما من اي فرد ينتمي لأي جماعة مصرية. 


انني لست مع السؤال القائل "من سيحكم؟" و لكنني مع السؤال القائل "كيف سنُحْكَم؟" بمعنى انني لا اريد نموذج العدالة المرتبطة بشخص او تنظيم ما و اعظم مثال هو ما حدث بعد وفاة عمر ابن الخطاب حيث قامت الفتنة الكبرى من بعده و لا زلنا نعيش في آثارها الى الان و كذلك ذهب عدل عمر بن عبدالعزيز بموته. انني اريد ان نضع نظام حكم يضمن العدالة و يحفظ الحقوق و يحافظ على تطبيق القانون على اي فرد و لا يمنع ذلك ان يستمد القانون مرجعيته من الفهم الصحيح للشريعة الاسلامية و يسمح باحترام الشرائع السماوية جميعها, و ذلك بغض النظر عمن يحكم مما يضمن الاستمرارية و التقدم لبلدنا العزيز باذن الله.



د. محمد محمود خفاجي

هناك 3 تعليقات:

قال عمر المختار:

انني أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الايمان اقوى من كل سلاح.